يشير الكاتب شاؤول مجيد إلى أنّ مرور عامين على هجوم 7 أكتوبر 2023 شكّل نقطة تحوّل عميقة في الوعي اليهودي الأمريكي، إذ تزعزعت القناعات التي استقرت لعقود حول الصهيونية وإسرائيل. مثّل الهجوم صدمة لليهود حول العالم وإهانة للدولة الإسرائيلية التي بُني مشروعها على فكرة الحماية من الإبادة. غير أن الرد الإسرائيلي، الذي اتخذ شكل تدمير غزة وقتل عشرات الآلاف من المدنيين، فجّر أزمة أخلاقية لدى كثير من اليهود الأمريكيين الذين وجدوا أنفسهم بين حدّين: الحداد على ضحاياهم ومواجهة مأساة تُرتكب باسمهم ضد شعب آخر.
ينقل مجيد في مقاله المنشور في الجارديان أن السنوات الأخيرة كشفت انهيار التوافق الذي جمع التيارات اليهودية الأمريكية حول الصهيونية منذ ستينيات القرن الماضي. بعد حرب 1967، تحوّلت إسرائيل إلى رمز للفخر والهوية اليهودية، وارتبطت الشعائر والتعليم الديني والأنشطة الثقافية بالولاء للدولة العبرية. صار علم إسرائيل حاضرًا في المعابد والمخيمات الصيفية، وأصبح السفر إلى هناك جزءًا من التربية الدينية، حتى غدت الصهيونية محور الهوية اليهودية الأمريكية.
غير أن هذا التماسك بدأ يتصدع مع اتساع الاحتلال وتحول إسرائيل إلى دولة غير ليبرالية تهيمن على حياة الفلسطينيين بين النهر والبحر. يرى الكاتب أن المبادئ الليبرالية التي طالما تبناها يهود أمريكا لم تعد تتسق مع واقع الاحتلال المستمر، فالمساواة وحقوق الإنسان تتناقض مع نظام يمنح امتيازًا لليهود على حساب غيرهم. في نظر ماجيد، لم يعد الجمع بين “الليبرالية” و”الصهيونية” ممكنًا إلا بخداع الذات.
انهار “المركز الليبرالي الصهيوني” الذي حكم الحياة اليهودية الأمريكية نصف قرن، فانقسمت الأجيال الجديدة. البعض انجرف نحو اليمين دفاعًا عن إسرائيل، لكن أعدادًا متزايدة من الشباب اليهود في الجامعات والحركات الاجتماعية انسحبت من المشروع الصهيوني نفسه. هؤلاء لا يرفضون اليهودية بل يعيدون تعريفها، فظهرت جماعات ومؤسسات جديدة غير صهيونية أو مناهضة للصهيونية مثل “صوت يهودي من أجل السلام” و”إف نوت ناو”، كما أنشئت مدارس ومجموعات صلاة لا تُدرج الصهيونية في هويتها.
يضيف مجيد أن هذه الموجة تمثل ولادة مؤسسات يهودية جديدة تبتكر نمطًا أكثر تعددية في المعتقد والهوية، حيث لا تشكل إسرائيل مركز الوجود اليهودي. ويلاحظ أن هذه التغيرات تترافق مع انهيار فكرة “إسرائيل الديمقراطية الليبرالية” التي لم تكن حقيقية حتى في ذروة قوتها. استمرار الاحتلال وتدمير غزة كشفا خواء الخطاب الليبرالي وأجّجا الانقسام داخل العائلات والمجتمعات اليهودية الأمريكية، إذ بات انتقاد إسرائيل يُعد خيانة جماعية.
يؤكد الكاتب، أن الاعتقاد بعودة الأجيال الجديدة إلى “الحظيرة الصهيونية” بعد الحرب وهمٌ، فهؤلاء الشباب يؤسسون مستقبلًا مختلفًا لا تدور فيه اليهودية حول الدولة الإسرائيلية. يرى مجيد أن هذا الانشقاق ضروري لصحة الجماعة اليهودية لأنه يُنهي هيمنة فكرية خنقت النقاش والاختلاف لعقود. ويستشهد بما كتبته الفيلسوفة حنة آرندت في عام 1948 عن أن الإجماع الأيديولوجي يدمّر الحياة الاجتماعية لأنه يمنح الجماعات “يقينًا إلهيًا” يقتل الحوار ويقود إلى التسلط.
https://www.theguardian.com/world/commentisfree/2025/oct/07/american-jews-zionism